احبتى فى الله والاخوه الكرام
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا.. وانت تجعل الحزن إن شئت سهلا..
إخوانى في الله
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
وفي أولها نداء من الله للمؤمنين، والنداء يقتضي أولاً أن يكون المنادى حيّاً؛ لأنه سبحانه وتعالى القائل:
{ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ }
[فاطر: 22].
إذن: كيف يقول سبحانه لمن يخاطبهم وهم أحياء: { دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }؟.
وهنا نقول: ما هي الحياة أولاً؟.
نحن نعلم أن الحياة تأخذ مظهرين، مظهرَ الحسّ......... ومظهرَ الحركة،
ولا يتأتى ذلك إلا بعد أن توجد الروح في المادة فتتكون الحياة،
وهذه مسألة يتساوى فيها المؤمن والكافر. وثمرة الحياة أن يسعد فيها الإنسان،
لا أن يحيا في حرب وكراهية وتنغيص الآخرين له وتنغيصه للآخرين،
والحياة الحقيقية أن يوجد الحسّ والحركة، شرط أن تكون حركة كل إنسان تسعده وتسعد من حوله،
وبذلك تتآزر الطاقات في زيادة الإصلاح في الأمور النافعة والمفيدة،
أما إذا تبددت الطاقات الناتجة من الحسّ والحركة وضاعت الحياة في معاندة البعض للبعض الآخر، .........
فهذه حياة التعب والمشقة،...... حياة ليس فيها خير ولا راحة.
وهذا ما يخالف ما أراده الحق سبحانه وتعالى للخلق،
فقد جعل الله عز وجل الإنسان خليفة له في الأرض ليصلح لا ليفسد، وليزيد الصالح صلاحاً،
ولا تتعاند حركة الفرد مع غيره؛ لأن كل إنسان هو خليفة لله،
وما دمنا كلنا خلفاء لله تعالى في الأرض.
فلماذا لا نجعل حركاتنا في الحياة متساندة غير متعاندة؟
وعلى سبيل المثال: إن أراد إنسان أن يخدم نفسه ومن حوله بحفر بئر،
هنا يجب أن يتعاون معه جميع من سوف يستفيدون من البئر؛ فمجموعة تحفر، ومجموعة تحمل التراب بعيداً، ليخرج الماء ويستفيد منه الجميع،
لكن أن يتسلل إنسان ليردم البئر، فهذا يجعل حركة الحياة متعاندة لا متساندة.
وقد نزل المنهج من الله عز وجل ليجعل حركة الحياة متساندة؛ لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24].
والنداء هنا من الله للمؤمنين فقط،
فإذا قال الله: يأيها الذين آمنوا استجيبوا لما آمنتم به؛
فهو لم يطلب أن تستجيب لمن لم تؤمن به، بل يطلب منك الاستجابة إذا كنت قد دخلت في حظيرة الإيمان بالله،
واهتديت إلى ذلك بعقلك، وبالأدلة الكونية واقتنعت بذلك،
وصرت تؤمن أنه إذا طلب منك شيئاً فهو لا يطلب منك عبثاً؛ بل طلب منك لأنك آمنت به تعالى إلهاً، وربّاً، وخالقاً، ورازقاً، وحكيماً، وعادلاً.
حين يأمرك من له هذه الصفات، فمن الواجب عليك أن تستجيب لما يدعوك إليه. ولله المثل الأعلى؛ نجد في حياتنا الأب والأم يراعيان المصالح القريبة للغلام، ويأمره الأب قائلا:
اسمع الكلام لأني والدك الذي يتعب من أجل أن تنعم أنت
وتضيف الأم قائلة له: اسمع كلام والدك، فليس غريباً عنك، بل لك به صلة وهو ليس عدوّاً لك، وتجربته معك أنه نافع لك ويحب لك الخير، هنا يستجيب الابن.
وكلنا عيال الله، فإذا ما قال الله: يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول المبلغ عن الله لأنه سيدعوكم لما يحييكم فعلينا أن نستجيب للدعوة.
الداعي - إذن - هو الله تعالى وقد سبقت نعمه عليك قبل أن يكلفك،
وهو سبحانه قد أرسل رسولاً مؤيداً بمعجزة لا يستطيع واحد أن يأتي بها، ويدعو كل إنسان إلى ما فيه الخير، ولا يمنع الإنسان من الاستجابة لهذا الدعاء إلا أن يكون غبيا.
ونلحظ في حياتنا اليومية أن الإنسان المريض، المصاب في أعز وأثمن شيء عنده وهو عافيته وصحته، وهو يحاول التماس الشفاء من هذا المرض ويسأل عن الطبيب المتخصص فيما يشكو منه،
وهناك لكل جزء من الجسم طبيب متخصص، فإذا كان له علم بالأطباء فهو يذهب إلى الطبيب المعين،
وإن لم يكن له علم فهو يسأل إلى أن يعرف الطبيب المناسب، وبذلك يكون قد أدى مهمة العقل في الوصول إلى من يأمنه على صحته.
فإذا ما ذهب إلى الطبيب وشخص له الداء وكتب الدواء، في هذه اللحظة لن يقول المريض:
أنا لا أشرب الدواء إلا إن أقنعتني بحكمته وفائدته وماذا سيفعل في جسمي؛
لأن الطبيب قد يقول للمريض: إن أردت أن تعرف حكمة هذا الدواء، اذهب إلى كلية الطب لتتعلم مثلما تعلمت.
وطبعاً لن يفعل مريض ذلك؛ لأن المسألة متعلقة بعافيته، وهو سيذهب إلى الصيدلية ويشتري الدواء ويسأل عن كيفية تناوله، والمريض حين يفعل ذلك إنما يفعله لصالحه لا لصالح الطبيب أو الصيدلي.
والرسول صلى الله عليه وسلم حين يدعونا لما يحيينا به، إنما يفعل ذلك لأن الله تعالى أوكل له البلاغ بالمنهج الذي يصلح حالنا،
وإذا كانت الحياة هي الحس والحركة، بعد أن تأتي الروح في المادة، يواجه الإنسان ظروف الحياة من بعد ذلك إلى الممات.
وهذه حياة للمؤمن والكافر. وقد يكون في الحياة منغصات وتمتلىء بالحركات المتعاندة ،
وقد يمتلىء البيت الواحد بالخلافات بين الأولاد وبين الجيران،
ويقول الإنسان: هذه حياة صعبة وقاسية. والموت أحسن منها.
والشاعر يقول:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً
وشاعر آخر يقول:
ذل من يغبط الذليل بعيش رب عيش أخف منه الحِمام
والحِمام هو الموت، وكأن الموت - كما يراه الشاعر - أخف من الحياة المليئة بالمنغصات.
إذن فليس مجرد الحياة الأولى هو المطلوب،
بل المطلوب حياة خليفة يأتي في مجتمع خلفاء لله في الأرض.
وكل منا موكل بالتعاون وإصلاح المجال الذي يخصه. ولا يصح للوكلاء أن يتعاندوا مع بعضهم البعض، بل عليهم أن يتفقوا؛ لأنهم وكلاء لواحد أحد.
كذلك خلف الله الإنسان، خلفه خليفة له في الأرض وأنجب الخليفة خلفاء؛ ليؤدوا الخلافة بشكل متساند لا متعاند.
إننا - على سبيل المثال - حين نرغب في تفصيل جلباب واحد، نجد الفلاح يزرع القطن،
والغزّال يغزله، والنسّاج ينسجه،
ومن بعد ذلك نشتريه لنذهب به إلى الخيّاط الذي يأخذ المقاسات المناسبة للجسم، ثم يقوم بحياكة الجلباب على آلة اشتراها بعد أن صنعها آخرون.
إذن فجلباب واحد يحتاج إلى تعاون بين كثير من البشر، هكذا تتعاضد الحياة.
وإذا نظرنا إلى العالم الذي نحيا فيه نجده مليئاً بالتعب، خصوصاً الأمم المتخلفة،
وأيضاً نجد التعب في الأمم المتقدمة؛
لأننا نجد صعاليك من أية دولة يصعدون إلى طائرة تتبع دولة كبرى ويهددون بتفجير الطائرة بمن فيها ويفرضون الشروط، وَيُزِلُّون الدولة الكبرى.
إذن فالحياة حتى في الدول الراقية متعبة.